الأدب الإسلامي

 

 

 

 

اللغة العربية : تعريفُها اللغوي وأهميتُها الدولية

ودورُها في تعزيز العلاقات العربية الهندية وتحسين الاقتصاد(*)

 

 

 

 

بقلم : نور عالم خليل الأميني

 

     الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :

     فأيها الإخوة الحضور ! أحييكم بتحية الإسلام، فأقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يسرّني أن أشكر الإخوةَ القائمين على هذه الندوة الكريمة الذين وَجَّهُوا الدعوةَ إليَّ للمشاركة فيها ، وأُقَدِّم مشاعرَ التبريك والتهنئة ، والتقدير والإعجاب ، إلى قسم اللغة العربية وآدابها بهذه الجامعة ، على إيلائه اللغةَ العربيةَ الاهتمامَ الكبيرَ الذي أكسبه والجامعةَ حسنَ الذكر وجميلَ السمعة ، ليس فقط فيما بين الجامعات الحكوميّة التي تُعْنَى باللغة العربية ، بل في أوساط المدارس والجامعات الإسلامية الأهلية التي اعتمدتِ اللغةَ العربيةَ منذ اليوم الأوّل كالّلغة الأمّ ؛ حيث إنّ مُقَرَّرَاتها – المدارس والجامعات الإسلاميــة الأهليــة – الدراسيّةَ جلَّها بل كلَّها باللغة العربيّة ؛ فهذه هي الأخرى تُثْنِي عليه دائمًا وعلى المسؤولين عنه وعلى أساتذته الفضلاء ، الذين جهودُهم الجادّةُ في سبيل نشر اللغة العربيّة ، تدلّ على أنّ جهودَهم نابعة من إيمانهم العميق بأنّها – اللغة العربية – أشرفُ اللغات ، لكونها وعاءً لآخر الكتب السماويّة ، وأصبحتِ اليوم في عداد اللغات العالمية ، التي إتقانُها والتضلّع منها يُعَدُّ وسيلةً قوية لتحسين الاقتصاد ، وكسب لقمة العيش ، واعتلاء المكانة المرموقة في دنيا الناسِ؛ فهي لغة دينيّة ودنيوية ، ومادية ومعنوية ، واجتماعية واقتصادية ، كما أنها لغة علمية وفكريّة؛ فالعنايةُ بها عملٌ جليلٌ يستحقّ كلَّ تقدير وتحبيذ .

اللغة العربيّة .. تعريفُها اللُّغَوِيّ

     أيّها الإخوة الحضور !

     «اللغة العربيّة» مُرَكَّبٌ وَصْفِيّ من كلمتين إحداهما موصوفة والأخرى صفة للأولى ؛ فهي – الأخرى – تَتْبَع الأولى في الإعراب حسبما هو مُقَرَّرٌ في قواعد النحو .

     و«اللغةُ» تُسْتَخْدَمُ اليوم فيما تُقَابِله باللغة الإنجليزية كلمةُ : Language . واختلف اللغويون والدارسون في ما يتعلق بأصلها ؛ فقالوا : إنّها من «لَغَا يَلْغُو لَغْوًا» بمعنى : «تَكَلَّمَ» وإنّها على زنة «فُلَة» مثل «كُرَة» فالواوُ الذي هو مكانَ اللام في الكلمة محذوفةٌ ، والتاءُ المربوطة – التي تنقلب هاءً لدى الوقف – عِوَضٌ عن اللام . وجمعُ اللغةِ : لُغًى ولُغَات .

     وقالوا : إنّ أصلها : «لَغِيَ يَلْغَىٰ لَغًا بكذا» بمعنى : أُوْلِعَ به فَثَابَرَ عليه وَاعْتَادَه .

     وقالوا : إن «اللغةَ» أصلُها : «اللَّهَاةُ» التي تُطْلَق على : اللَّحمة المُشْرِفة على الحلق ، أو على : الهَنَة المُطْبِقَة في أقصى سقف الفم ؛ وبما أنّ كُلاًّ من الهاء والغين حرفٌ مخرجُه الحلقُ ؛ فتبدّلتِ الهاءُ غينًا . وبما أنّ اللهاةَ جزءٌ من الجِهاز الصوتي، قال بعضُ الدارسين: إنّ كونَ «اللهاة» هي أصلَ كلمة «اللغةِ» يبدو أنّه هو المُطَابِقُ للواقع الذي يقبله العقلُ والمنطقُ. أما كون «لَغِيَ يَلْغَىٰ» أصلاً لـ«اللغة» فيبدو مُسْتَبْعَدًا ؛ لأنه لايُوجد قاسِمٌ مُشْتَركٌ مُوَحِّد بين الكلمتين معنىً ومدلولاً سوى المماثلة اللفظية والمشاكلة الحرفية .

     وهناك دارسون يرون أن كلمة «اللغة» ليست عربيّة ، وإنّما هي مُعَرَّبَة منقولة من كلمة «lagos» اليونانية ، التي تعطي معنى «الكلمة» أو معنى ما تُعَبِّر عنه كلمةُ «idea» باللغة الإنجليزيّة ، أي معنى الخطة والتصميم والمشروع أو الفكرة . وغيرُ خافٍ أنّ بين هذه الكلمة اليونانية و بين كلمة «اللغة» العربية من التماثل المعنوي والتجانس اللفظي ما يؤكّد أنّها ربما نُقِلت من اليونانية إلى العربيّة .

العَرَبِيَّةُ

     «العَرَبِيّةُ» مُؤَنَّت «العَرَبِيّ» . والعَرَبِيُّ منسوب إلى «العرب» وهم أمّةٌ من الناس ساميَّةُ الأصلِ كان منشؤها شبهَ جزيرة العرب ؛ فمعنى «اللغة العربية» اللغةُ التي ينطق بها العرب . و«العَرَبُ» من «عَرِبَ يَعْرَبُ عَرَبًا» معناه : فَصُحَ بعد لكنة . ولهذه الكلمة مَعَانٍ أخرى كلُّها أو جلُّها جميلةٌ ؛ فيقال : عَرِبَت المرأةُ : تَحَبَّبَتْ إلى زوجها ؛ وعَرِبَ الماءُ : صفا . فالماءُ الصافي عَرَبٌ وعَرِبٌ ؛ وعَرِبَ النهرُ ونحوُه: كَثُرَ ماؤه . فهو عَارِبٌ . وعَرُبَ من (كَرُمَ) عُرُوْبًا وعُرُوْبَةً وعَرَابَةً وعُرُوْبِيَّةً : فَصُحَ ؛ ويقال : عَرُبَ لِسَانُه : فَصُحَ ؛ وأَعْرَبَ فلانٌ : كان فصيحًا في العربية وإن لم يكن من العرب ؛ وأَعْرَبَ الكلامَ : بَيَّنَه ؛ وأَعْرَبَ بمراده : أَفْصَحَ به ولم يُوَارِبْ ؛ وأَعْرَبَ عن حاجته : أَبَانَها ؛ وعَرَّبَ عن صاحبه: تَكَلَّمَ عنه واحتجّ ؛ وعَرَّبَ الكلامَ أَوْضَحَه ؛ وعَرَّبَ فلانًا : عَلَّمَه العَرَبِيَّةَ ؛ وعَرَّبَ مَنْطِقَه : هَذَّبه من اللحن ؛ وتَعَرَّبَ : تَشَبَّهَ بالعرب ؛ وتَعَرَّبَتِ المرأةُ لزوجها : تَحَبَّبَتْ إليه .

     على كل ، إنّ مادة «ع رب» تُعْطِي في أغلب الأحوال والاشتقاقات معنى الوضوح والصفاء والفصاحة أو الحبّ . وهي معانٍ متقاربةٌ تحلو في القلب وترغب فيها الطبيعةُ الإنسانيّةُ .

     وتُقَابِلها في العربية مادةُ «ع ج م» ؛ فعَجُمَ فلانٌ عُجْمَةً : كان في لسانه لكنةٌ ؛ وعَجُمَ الكلامُ: إذا لم يكن فصيحًا؛ فهو أَعْجَمُ وهِي عَجْمَاءُ؛ وأَعْجَمَ الكلامَ: أَبْهَمَه وذَهَبَ به إلى العجمة ؛ وتَعَاجَمَ فلانٌ : كَنَىٰ و وَرَّىٰ ولم يُفْصِحْ ؛ واسْتَعْجَمَ فلانٌ : سكت ؛ واسْتَعْجَمَ عليه الكلامُ: خَفِيَ واسْتَبْهَمَ. والأَعْجَمُ : الأخرس، وكذلك الأَعْجَمِيّ؛ والعَجْمَاءُ : البهيمة ؛ لأنها لاتقدر على الكلام.

     ومن هنا كان لدى العرب شعورٌ زائد بالاستعلاء بالنسبة إلى لسانهم العربيّ الذي كانوا يرونه حَقًّا أفصحَ وأوضحَ الألسنةِ على وجه الأرض؛ فكانوا يؤمنون بأنّهم أقدرُ أمةٍ في الدنيا على التعبير عن غرضٍ من الأغراض ولايدانيهم في ذلك أمةٌ . ومن ثم كانوا هم عَرَبًا : أي فصحاءَ واضحي المنطقِ ، وكان غيرهم من الأمم الأخرى كلِّها عَجَمًا لا يُفْصِحُون ولا يُبِيْنُون وإنما يُبْهِمون ويُخْرِسُون .

«اللغةُ العربيةُ» أو «اللسانُ العربيّ» :

     وهنا ينبغي أن نؤكّد أن كلمة «اللغة» لم ترد في أيّ موضعٍ في كتاب الله العزيز ، ولم تستخدمها العرب في جاهليّتها بهذا المعنى ، ولا بعد الإسلام إلى عهد بني أميّة ؛ بل لايُوْجَدُ دليل معلوم على استخدامها بهذا المعنى في عهد بني العباس الممتد على الفترة ما بين 132-656هـ . وإنما استخدمها أولُّ من استخدمها – كما يقال – في بعض أبياته شاعرٌ عراقِيّ وُلِدَ ونشأ بين الكوفة وبغدادَ في بلدةٍ اسمُها «الحِلَّة» وهو صَفِيُّ الدين الحِلِّي (عبد العزيز بن سرايا بن على بن أبي القاسم السنبسي الطائي) الذي وُلِدَ عام 677هـ/1278م وتُوُفِّيَ عام 750هـ / 1349م ، وكان تاجرًا ؛ فكانَ يُكْثِر من الرحلات إلى شتى البلاد العربية وغيرها(1) وهو الذي قال في بعض أبياته :

بِقَــدْر لُغَاتِ الْمَــرْءِ يَكْثُرُ نَفْـــعُه

وَتِلْكَ لـــه عِنْــدَ الشَّدِائِدِ أَعْـوَان

فَبَادِرْ إِلَىٰ حِفْظِ اللُّغَاتِ وَفَهْمِهَا

فَكُلُّ لِسَانٍ فِي الْحَقِيْقَةِ إِنْسَان(2)

     ويقول الدارسون : إن العرب استخدم كلمةَ اللغة أوَّلاً بمعنى «اللهجة» وأساليب القبائل ، التي كان يختلف بعضها عن بعض . يقول الكاتب الإسلامي المعروف الدكتور السيّد رزق الطويل المصري في كتابه: «اللسان العربي والإسلام معًا في معركة المواجهة» :

     «لفظُ (اللغة) يُطْلَقُ على لغات القبائل، كأن يقال: لغةُ قريش ، أو لغةُ تميم ، أو لغةُ أسد، ونحوُ هذا . ولفظُ «لهجة» اُسْتُحْدِثَ في القرون الأولى بعدَ الهجرة تعبيرًا عن لغات القبائل» (3).

     وكان الأحسنُ والأدلُّ أن تظلّ كلمةُ «اللسان العربي» هي المستعملَة في التأليفات والكتابات والخطابات وهي الجارِيَةَ على ألسنة العرب وغير العرب المشتغلين بالعربية بشكل من الأشكان ؛ ولكنه شاء الله لحكمة يعلمها هو ولا يعلمها غيرُه أن تحلّ كلمةُ «اللغة العربية» محلَّ «اللسانِ العربيِّ» بشكل لا يرى الكُتّابُ والمُؤَلِّفُون والخطباءُ والناطقون بالضّاد محيصًا عنها ، على حين إنّ الكلمة الأخرى – اللسانَ العربيَّ – هي التعبيرُ الأمثلُ والأدقُّ وهو الذي اصطفاه كتابُ ربِّ العالمين خالقِ اللغاتِ والألسنةِ واللهجاتِ ، فيقول تعالى: «نَزَلَ به الروحُ الأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِيْنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ» (4).

أهميّة اللغة العربيةُ دولِيًّا

     اللغة العربية فيها من الخصائص والمُؤَهِّلات ما يجعلها أولَ لغة عالمية ؛ فلها من الميزات كلُّ ما للغات الحيّة من ميزات بالإضافة إلى أنّها لغة للدين الإسلامي الذي ارتضاه ربّ العالمين لعباده : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيْنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الْخـٰـسِرِينَ» (5). فانتشرت بانتشار القرآن والإسلام اللذين حَلاَّ وسارا مع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ؛ فإن المسلم عربيًّا كان أو عجميًّا، فارسيًّا كان أو تركيًّا، هنديًّا كان أو باكستانيًّا ، شرقيًّا كان أو غربيًّا ، أوربيًّا كان أو أمريكيًّا؛ يتلو القرآن باللغة العربية التي نزل بها. إن القرآن الكريم فتح أمام اللغة العربية آفاقًا أوسع ونقلها إلى ميادين واسعة من الفكر والبحث والاستيعاب ، وكان دائمًا وسيظلّ دائمًا سفيرَ اللغة العربية إلى أنحاء العالم كلها والشعوب والأمم جميعها.

     ومن هنا قال «جورج بوست»:

     «لغةُ العرب تفوق كلَّ لغة في الانتشار، وهي تفوق أيضًا كلَّ لغة إذا نظرنا إلى التأثير في مستقبل الأعمال البشريّة» (6).

     ويقول «بروكلمان» :

     «بفضل القرآن بلغت العربيةُ من الاتساع مدى لاتكاد تعرفه أيُّ لغة من لغات الدنيا» (7).

     ويقول «ميليه» :

     «لم تبقَ لغة أوربية واحدة ، لم يصلها شيء من اللسان العربي المبين ، حتى اللغة اللاتينيّة الأم الكبرى ؛ فقد صارت وعاءً لنقل المفردات العربية إلى بَنَاتِها» (8).

     حقًّا ، إن العربَ والمسلمين مَرُّوا في تاريخهم مراتٍ كثيرةً بصعود وهبوط في المجال السياسي والحضاري ، وربما خفقت رايتهم عاليةً وربّما تنكّست ، وربما تقهقرت دولتُهم وتراجعت حضارتهم ؛ لكنّ اللغة العربية بفضل القرآن الكريم ظلت مُسْتَعْصِيَةً على نَكَبَاتِ الدهر، وظلّت هي كما هي لم يَفُتَّ في عَضُدِها تراجُعُ المسلمين سياسيًّا وعلى مستوى الحكم والسلطان بحكم مداولةِ الله عَزَّ و جلَّ الأيّامَ بين الناس .

     ومنذ أن دانت العربية للإسلام لدى طلوعه صارت تستوعب العلوم الكونية والإنسانية ، كما أثبتت دورَها الرائعَ في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية ؛ فقد تجلّت طاقتُها الهائلة في صارت تستوعب العلوم الكونية والإنسانية ، كما أثبتت دورَها الرائعَ في عصر ازدهار الحضارة الإسلامالإحاطة بمختلف ألوان المعارف ودقائق الفلسفات التي أفرزتها حضاراتُ ما قبل الإسلام وأيضًا تلك التي كانت من مُعْطَيَاتِ الإسلام .

     و وَاكَبَتْ جميعَ العلوم والفنون التي كانت نِتَاجَ العلم الحديث الذي بَهَرَ العالمَ بمعطياته الهائلة وانتصاراته الرائعة واكتشافاته التي قد يجوز أن يوصف بعضُها بأنّها خارقة . كما صَمَدَتِ اللغةُ العربيةُ في وجه المؤامرات التي حِيْكَتْ للقضاء عليها بأشكال شتى وألوان لا تُحْصَىٰ ، المؤامرات التي لم تُنْسَجْ ضد أيّ لغة من لغات الدنيا ؛ مثلما نُسِجَتْ ضد اللغة العربية من قبل الأعداء المستعمرين الأجانب ومن قبل أذنابهم وعملائهم في ديارنا معًا؛ ولكنها فَشِلَتْ فشلاً ذريعًا ؛ لأن العربيةَ صَمَدَتْ في وجهها ؛ لأنّها كانت مُؤَهَّلة لذلك من قِبَلِ الله عَزَّ وجَلَّ الذي اختارها لِتُعَبِّر عن رسالتِه الأخيرةِ الخاتمةِ وعن الذات الإلهيّة بالأسلوب الإلهيّ .

*  *  *

 

     القرنُ الذي سَبَقَ القرنَ الذي نعيشه كان قرنَ انحطاط المسلمين و العرب في المجال السياسي ؛ حيث كانت رَسَخَتْ أقدامُ الاستعمار في ديارهم . والانحطاطُ السياسي يؤدّي في الأغلب إلى تَدَاعِيَاتٍ كثيرةٍ منها الانحطاطُ الثقافيُّ ؛ ولكن عصر الاستعمار هو الذي هَيَّأَ الأسبابَ إلى نهضةِ اللغةِ العربيةِ وانبعاثِها الشامل في مجال الخطابة والكتابة والتأليف والصحافة ؛ فعادت إلى سيرتها الأولى من الأسلوب الذي أَكْرَمَه به الكتابُ والسنّةُ وكتبُ السيرة والمغازي التي كُتِبَتْ بأسلوبٍ مَنْحَوتٍ من القرآن والحديث ؛ فنبغ المُتَرسِّلون والشعراء والمطبوعون في كل من مصرَ والشامِ وبلادِ الحرمين وغيرها ، وصدرت الصحف ، وأُلِّفتِ الكتبُ ، وأُسِّسَتْ مجامعُ اللغة العربية ، وأقيمت المطابعُ وأنشئت المدارس والجامعات ، وكثرت المكتبات ودورُ النشر، وطُبِعَت كتبُ التراث التي كانت قد عَمِيَ أثرها على المسلمين منذ عهد بعيد ، وفاضتِ البلادُ العَربيّة بالكُتَّاب والمُؤَلِّفِين ، والشعراء والخطباء، والصحفيين والأدباء ، ورجال الفكر والدعوةِ ، والتعليم والتربيةِ ؛ فغزت اللغةُ العربيةُ الرقعةَ الواسعةَ من العالم ؛ لأنّها عادت – كما كانت – لغةً حيّةً تُعَبِّر عن جميع حقائق الحياةِ ، وضروراتِ الناسِ ، ومُعْطَيَات الحضارةِ ، ومُخْتَرَعَاتِ العلم ، ومُكْتَشَفَاتِ الطبيعةِ ، وحاجات التقدم، ومُتَطَلَّبَاتِ الاقتصادِ والتجارةِ ، والصناعةِ والطِّبِ ، وأخيرًا تكنولوجيَّا المعلوماتِ وانتصاراتِها الباهرةِ .

     وساعد على ذلك كلِّه النفطُ الذي فاضت به الأراضي العربيّةُ ، والذي سُمِّيَ بـ«الذهب الأسود». وقد تمَّ اكتشافُه بكميات تجاريّة أوّلاً في البحرين عام 1931م ، ثم تَوَالَى اكتشافُه بهذه الكميّات في الدول الخليجية الأخرى . ومنذ اكتشافِه ، وقيامِ صِنَاعَتِه الهائلةِ في هذه الدول العربيّة ، أصبحت هي محطَّ أنظار العالم كلِّه ، وصارت مَقْصِدَ دُوَلِ العالمِ استيرادًا وتصديرًا ، وعادت تَسْتَوْرِد منها البترولَ، وتُصَدِّر إليها بضائعَها ومنتجاتِها ؛ فَغَدَتْ – الدولُ العربيةُ النفطيّةُ – سوقًا عَالَمِيَّةً شهدت حركةً تجاريةً غيرَ مسبوقةٍ في التاريخ ، وصَرَّفَتْ من البضائع العَالَمِيَّةِ والمُنْتَجَاتِ الشرقيّةِ والغربيّةِ ما لم تُصَرِّفه أيُّ سوقٍ في العالم المعاصر، وتَهَافَتَ على هذه الدول الخليجية العُمَّال والمُوَظَّفُون والعَامِلون ، والأَطِبَّاءُ والمُهَنْدِسُوْنَ ، والمُثَقَّفُونَ والخُبَرَاءُ، من أنحاءِ العالَمِ كُلِّه ، وأَصْبَحَتِ الدولُ الصِنَاعيّةُ الكبرى والقوى العَالَمِيَّةُ العظمى محتاجةً إليها ، لاِمْتِصَاصِ سَائِلِها الأسودِ: النفطِ ؛ لأنّه هو وحده لحد كتابة هذه السطور يُدير الحركةَ التجاريّةَ والصناعيَّةَ في العالم ، فلو تَوَقَّفَ تصديرُه إلى العالم ، لتوقّفت الحركةُ الصناعيّةُ والتجاريّةُ ، وبالتالي الحركةُ الاقتصاديّةُ هي الأخرى.

     وهنا بَرَزَ دورُ اللّغةِ العربيّةِ من جديد ؛ حيث أمسى العَالَم كلُّه مضطرًّا إلى تعلّمها وتعليمها ، لكونها العمادَ الوحيدَ للتواصل مع العالم العربي والأمّة العربية ، فَرَتَّبَتْ جامعاتُ العالم ومعاهدُه تعليمَ اللغة العربية وأَنْشَأَتْ أقسامًا مُسْتَقِلَّةً لذلك ، وتَأَسَّسَتْ في دول العالم مدارسُ لتعليم اللغة العربية وإعداد المُتَرْجِمِيْنَ منها وإليها. وحَرَصَ شعوبُ العالم على الإلمام بها والتضلّع منها ، وصارتِ الشركات الْعَالَمِيَّةُ تُوَظِّفُ المُتْقِنِيْنَ لها والمُجِيْدِيْنَ الترجمةَ منها وإليها ، وصارت هي والمراكزُ والمؤسسات التجاريّة العالميَّةُ تَكْتُب العربيةَ على عُلَبِها بجانب الإنجليزية واللغات المحليّة ، ونشِطَتْ حركةُ تعلّم اللّغة العربيّة وتعليمِها بشكل لم يكن بِحِسْبَانِ أحدٍ من المسلمين ، وأَقْبَلَ عليها غيرُ المسلمين بعدد كبير يتعلّمونَها ويتكلمون بها ويخطبون ويكتبون بها ، ويحوزون شهاداتِ اختصاص ودكتوراه فيها . فضلاً عن المسلمين الذين حرصُهم هم الآخرون عليها ازداد كثيرًا من ذي قبل ، وصارت مدنُ العالم الكبرى ذاتُ الأهميّةِ التجاريّةِ والصِنَاعِيّةِ والاقتصاديَّةِ تُذِيْعُ بَرَامِجَهَا من مَحَطَّاتِ الإذاعةِ ومراكزِ التلفازِ باللغة العربية كلغة عَالَمِيَّةٍ حيّةٍ حياةً منتعشةً أكثرَ من أي لغة عَالَمِيَّةٍ باستثناء اللغة الإنجليزيّة التي فَرَضَتْ وجودَها على الدنيا لقوة أبنائها الاقتصاديّة والعسكريَّةِ والتجاريّةِ والسياسيَّةِ والعلميَّةِ . حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية أَنْشَأَتْ جِهَازًا عِمْلاَقًا للإذاعة والتَّلْفَزَةِ باللغة العربيّة يَعْمَلُ به مُتَخَصِّصُونَ في اللغة العربيّة نطقًا وكتابةً وترجمةً وأداءً ، حتى إذَا اسْتَمَعْتَ إلى برامجه خِلْتَ أنّك تستمع إلى البرامج الإِذَاعِيَّـــةِ والتّلْفَازِيَّــةِ المُقَدَّمَة من أحد بلاد العروبة والإسلام: المملكةِ العربية السعودية ، أو مصرَ ، أو الشامِ ، أوإحدى دول وإمارات الخليج العربي الأخرى ، فتَسْتَهِوِيْكَ اللهجةُ العربيةُ الأصيلةُ الحلوةُ الساحرةُ استهواءَ نطقِ العربيِّ البارع المُمْتِعِ من إذاعةٍ أو تلفازٍ في دولة عربيّة صميمة .

     وقد أَدْركَتِ الأمم المُتَّحِدَةُ أهميّةَ اللغة العربيةِ المتزايدةِ ، فاعتمدتها كلغةٍ رسميّةٍ ضِمْنَ اللّغاتِ الرسميّةِ الكبرى لديها . وذلك عام 1973م .

     وبدأت العربيةُ تفرض وجودَها على مستوى الصحافة حتى في البلاد الأجنبية في أوربّا وأمريكا والهند وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وغيرها ؛ حيث تصدر فيها كثيرٌ من الجرائدِ والمجلاّتِ والصحف والدوريّاتِ الثقافيةِ والدراسيّةِ ، والتجاريةِ والاقتصادية ، والأدبية والعلمية ، ولاسيما بريطانيا التي تَصْدُرُ فيها عن مدينةِ لندن جرائدُ عربيةٌ واسعةُ الانتشار وعلى رأسها «الشرق الأوسط» . وقد هَاجَرَ عددٌ وجيهٌ من العرب إلى بلاد أوربّا وأمريكا عَاضِّينَ بالنواجِذِ على لغتهم العربية الأمّ ، فَنَبَغَ منهم في المهجر شعراءُ وأدباءُ وقُصَّاصٌ ورِِوَائِيُّون أَنْتَجُوا شعرًا وأدبًا رائعين فيهما أصالةُ الترابِ العربيِّ وصلابةُ الصحراءِ العربيةِ وحرارةُ طَقْسِ الدِّيَارِ العَرَبِيَّةِ ، وفيهما – إلى جانب ذلك – طَعْمٌ من جَوِّ وترابِ ومَنَاظِرِ الأراضي المهجريّة . ونَشَأَ من ذلك أَدَبٌ عَرَبِيٌّ مُسْتَقِلٌّ في الطَّعْمِ واللّونِ والشكلِ والمضمونِ عُرِفَ «بالأدب المهجري» أو «أدب المهجر».

     على كُلٍّ ، إنّ اللغةَ العربيةَ صَارَتِ اليومَ تُعَادِلُ – في دينا الناس أيضًا – أيَّ أكبرِ لُغَةٍ عَالَمِيَّةٍ ، ولا تَقِلُّ أهميَّةً عن أيّ لغةٍ عَالَمِيَّةٍ ، بالإضافة إلى أهميتها الإسلامية ، وقيمتها الدينية ، وأفضليتها التي أضفاها عليها اِختيارُ اللهِ العليمِ الحكيمِ لها وِعَاءً لكتابه الخالد المُهَيْمِنِ عَلَى الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ كُلِّها.

دورُها في تعزيز العلاقات العربية الهندية

     العلاقة بين الهند والعرب ظلّت قائمةً حتى في عهد الجاهليّة وبداية الإسلام ، فكانَتِ العربُ تَتّجِرُ مع الهند في كثير من البضائع وعلى رأسها التَّوَابِلُ والثياب وأنواع من الحبوب . ودَخَلَتِ العربُ الهندَ بشكل مستقل مع الشاب اليافع العربي محمد بن القاسم الثقفي (بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي) المتوفى في نحو 98هـ/717م فاتحِ السندِ ووَالِيها ومُؤَسِّسِ اُوْلَىٰ دولةٍ عَرَبيَّةٍ في أرضِ الهندِ .

     وما دَخَلتِ العَرَبُ أرضًا إلاّ عَرَّبتها ، وجعلتها عربيّةً يتفاهم بها أهلُها ، ولا تزال في اللغة السنديّة بعد هذا العهد البعيد كلماتٌ كثيرةٌ من العَرَبيَّةِ تدلُّ على سلطانها عليها يومًا .

     وتَبِعَ المسلمون هذه الطيلعةَ العربيةَ الوافدةَ إلى أرض الهند من عرب وغير عرب ، وهم يحملون معهم قرآنَهم وحديثهم وكتبَ علومهما بالعربية ، ويُؤَدُّون عِبَادَاتِهِمْ وعلى رأسها الصلاةُ بالعربية ، ويتدارسون دينَهم وأحكامَه بالعربية ، فنَبَغَ فيهم على أرض الهند علماءُ وأدباءُ وشعراءُ وكُتّابُ ومؤلفون وخطباء بالعربية عبر العصور وفي جميع أنحاء هذه البلاد ، حتى يَصِحُّ أن يقال : إنّه لم يُوْجَدْ بغير أرض العروبة والإسلام من العلماء بالعربية والكتاب والمؤلفين والمترسلين بها والمشتغلين بها بشكل من الأشكال مثلما وُجِدَ بأرض الهند ، حتى إنّ بعضَ علماء العربية فاقوا كثيرًا من علماء العربية في ديارها الأصيلة في الإتقان والسعة معًا ، حتى سَلَّمت العربُ بدورهم لهم بالإمامة والأستاذية . ولذلك أسبابٌ يطول ذكرُها ، وعلى رأسها توفيقُ الله عزّ وجلَّ للأمة المسلمة الهنديّة ، وحكمتُه تعالى، وحُبُّ مسلمي هذه الديار حبًّا شديدًا عجيبًا لايُوْصَفُ للنبي العربي الهاشمي القرشي محمد ، ولقومه العرب ، وللغته العربية ، ولكل شيء يتّصل به .

     ومُجَرَّدُ سرد أسماءِ هؤلاء الأعلام الهنود في علوم العربيةِ والعلوم المتفرّعة منها وفي علوم الشريعة المُدَوَّنَةِ بها ، يُطِيل الكلامَ ويُضِيق المقامَ ؛ فأكْتَفِي بأن أقول : إنه لما كثر الاحتكاكُ بالعَالَم العربيّ في العصر الحاضر بعدما فاض النفط وسالت الثروة فيه، وكثرت وسائلُ الانتقال والاتّصال والمواصلات، و أصْبَحَ العالَمُ كُلُّه – بما فيه العالم العربي – قريةً كونيَّةً ، زاد الإقبال – طبعًا – على اللغة العربية تعليمًا وتدريسًا وتأليفًا وكتابة وصحافةً وإذاعة زيادةً اقتضتها الظروفُ ودَعَتْ إليها الدوافعُ الصناعيّة والتجاريّة والاقتصاديّةُ المُسْتَجِدَّةُ التي لم تكن من ذي قبل؛ فعُنِيَتْ باللغة العربية عنايةً وظيفيّةً، ونَظَّمَتْ تعليمَها الجامعاتُ والكلياتُ الحكوميةُ أيضًا بجانب المدارس والجامعات الأهلية الإسلامية التي اهْتَمَّتْ بها منذ اليوم الأوّل ؛ حيث ظَلَّتْ تُدَرِّس جميعَ العلوم الإسلامية باللغة العربية وحدها ، كما ظلّت في الأغلب تُدَرِّسها كلغة وكمادّة مستقلة . وصدرت باللغة العربية جرائد و مجلاّت ودوريّات في أنحاء الهند بعدد كبير ولاسيّما من كبرى المدارس والجامعات الأهلية وبعض الجامعات غير الأهلية ، وانْصَبَّ الاهتمامُ على الكتابة والتأليف بها ، فَنَشِطَتْ بالهند حركةُ التأليف باللغة العربية ، فصدرت بها كتبٌ قد لا تُحْصَىٰ بشكل دقيق ، وتَرَكَّزَتْ العِنَايَةُ على إِعْدَادِ مُتَرْجِمِيْنَ إليها ومنها .

     ورَأَتِ الحكومة الهندية ضرورةَ توطيد العلاقة القائمة بينها وبين العالم العربي منذ عهد بعيد ، فأمرت منذ سنوات طويلة بتقديم البرامج الإذاعية باللغة العربية، كما أصدرت مجلة «ثقافة الهند» التي أَدَّتْ دورًا هامًّا في تمتين العلاقة الهنديّة العربية ، وشَجَّعَتِ الأقسامَ العربيَّةَ القائمةَ بجامعاتها واستحدثت هذه الأقسامَ في الجامعات التي لم تكن هي بها ، وتعاونت في التعامل مع شؤونها الخارجية المتصلة بالعالم العربي بالعلماء بالعربية والمجيدين للترجمة من الإنجليزية والهندية إلى العربية وبالعكس، واحتاجتِ الشركاتُ والمراكزُ والمُؤَسَّسَاتُ التجاريةُ والاقتصاديةُ الحكوميةُ وغيرُ الحكوميةِ في مُعَامَلاَتِها مع العالم العربي إلى استخدام اللغة العربية . كما أن سفاراتها بالعالم العربي اعتمدت العربيةَ كلغة أساسيّة . ولجنةُ الحج المركزيةُ اتَّخَذَتِ اللغةَ العربيةَ عمادَها للقيام بالخَدَمَات التي تَعْنِيْهَا للتواصل مع سِفَارَةِ المملكة العربية السعودية أو مع المسؤولين السعوديين المعنيين بمكة المكرمة والمدينة المنورة مرورًا بجدة وغيرها من المدن السعودية . ومع ازدياد حجم التبادل التجاري الهندي مع العالم العربي – الذي هو فعلاً في ازديادٍ مُسْتَمِرٍّ – تزداد أهميّةُ اللغة العربية .

     أَضِفْ إلى ذلك كلّه كثرةَ الأيدي العاملة الهندية بالعالم العربي التي لايُوْجَدُ مثلُها بالعالم غير العربي . إنّها هي الأخرى كثير منها تجيد العربية أو تنطق بها أو تنطق وتكتب بها إلى جانب التضلع من لغاتها المحليّة أو اللغة الإنجليزية . كلُّ ذلك وغيره يَنْصَبُّ في خانة العلاقات العربية الهندية ، ويعين على تعزيزها .

     ولكن خيرَ سفير للهند فيما يتعلق باللغة العربية هم العلماء والكُتَّابُ باللغة العربية الذين يختلفون إلى العالم العربي كثيرًا مُشَاركين في المؤتمرات والندوات واللقاءات أو زائرين لربوعه زيارةً ثقافيةً أو فكريّةً أو سياحيَّةً أو مَعْرِفِيَّةً .

     فاللغةُ العربيةُ أَدَّتْ – ولا تزال وستظلّ تؤدي – دورًا كبيرًا في تعزيز العلاقات العربية الهندية .

اللغةُ العربيّةُ وتحسينُ الاقتصاد

     بعد ما أسلفناه من التفصيل فيما يتعلّق بدور اللغة العربية الشامل ، قد يكون من القول المعاد المكرور أن نتحدّث عن دورها في تحسين الاقتصاد. وأَكْتَفِي بأن أقولَ: إن الدورَ العَالَمِيَّ للغة العربية وأَهَمِّيَّتَها الدوليةَ جعلتها في طليعة اللغات العالمية المعدودة على الأصابع ، ونكاد نقول: إنّها تلي الإنجليزيةَ في الأهميّةِ وأداءِ الدورِ العَالَمِيِّ .

     فمهما ضاع المُلِمُّونَ بغير العربيّة وهَامَوا على وجوههم وتَسَكَّعُوا في الشوارع والطرقات وهم يحملون ركامًا من الشهادات على ظهورهم فيما يتعلّق بالاختصاص في كثير من الفنون واللغات ، دون أن يجدوا وظيفةً تضمن لهم لقمةَ العيش وتحسينَ المستوى المعيشيّ ؛ فإن المجيد للغة العربية لن يضيع ؛ لأنّها بإذن الله تعالى ستكفل له معيشةً جيّدةً. فإذا أَجَادَ الإنجليزيةَ إلى جانب إجادته العربيةَ، فإن الوظائف تنتظره ، وخيرُ دليل على ذلك أن المتخرجين من الجامعة الملية الإسلامية – كما أفادني بذلك كثير من الإخوان – المجيدين للغتين: العربية والإنجليزية مُلْتَحِقِيْنَ بقسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة ، ما إن تخرّجوا حتى انسلكو في داخل الهند أو خارجها في سلك الوظائف ذات الرواتب الكبيرة . وقد وُفِّقَ عددٌ منهم أن يكتبوا ويُؤَلِّفُوا باللغتين أو بإحداهما فَأَدَرَّتْ لهم كتاباتُهم وتأليفاتُهم الدخلَ الكبيرَ .

     وبتقدم العالم العربي وبفضل التنمية الشاملة التي شَهِدَتْها دولُ الخليج النفطيّة ، ازداد طلبُ العالم العربي للمجيدين للعربية أو المجيدين للعربية والإنجليزيّة معًا والقادرين على الترجمة الجيّدة من إحداهما إلى الأخرى. وهذا الطلبُ لايَبْقَىٰ على مستواه الحَالِيّ وإنّما يزداد مع الأيّام ، بَقِيَ النفطُ أو نَفِد ؛ لأن العالم العربي اتَّجَهَ الآن إلى تصنيع نفسه ، وفعلاً قامت صناعاتٌ كثيرةٌ وأخرى في طريقها ؛ لأنه أدرك أن النفط إلى نَفَادٍ والصِّنَاعَاتِ إلى بقاء وتزايد . كما أنّه اتَّجَهَ إلى تحديث قطاع الزراعة كمورد اقتصاديّ ثابت . أَضِفْ إلى ذلك أن العالم بفضل مُعْطَيَاتِ العلم والتكنولوجيا الحديثةِ وثورةِ المعلوماتِ ووسائلِ المواصلاتِ والاتصالاتِ ، أَصْبَحَ قريةً واحدةً ، وكَثُرَ التبادل والتعاطي ، ولايمكن بلدًا أن يستغنيَ عن البلاد الأخرى وينطويَ على نفسه ويكتفيَ بذاته . إنه مضطرٌّ وسيظلّ مضطرًّا للتواصل مع غيره من البلاد . فالعالمُ العربي مضطر وسيظل مضطرًّا أن يتواصل مع العالم ، والعالمُ مضطر أن يتواصل مع العالم العربي ، ومن ثم يبرز دور اللغة العربية في تحسين اقتصادِ من يتقنه ويتضلع منه ؛ لأنه سيكون واسطةً مُبَاشِرَةً وعنصرًا هامًّا في تحقيق التواصل .

 

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالقعدة 1426هـ = ديسمبر 2005م ، العـدد : 11 ، السنـة : 29.

 



(*) ألقيت هذه المحاضرة التربوية المتخصصة في قاعة المحاضرات لقسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الملية الإسلامية بدهلي الجديدة، على دعوة مخلصة ملحة منه . وذلك في الساعة العاشرة والنصف من ضحى يوم الجمعة : 17/شعبان 1426هـ الموافق 23/سبتمبر 2005م . وكانت القاعة غاصّة بالمستمعين من الأساتذة والطلاب بقسم اللغة العربية . تُنْشَرُ تعميمًا للفائدة ، وتحصينًا لها من الضياع، وتسجيلاً لبعض الفوائد القيمة التي تتضمنها ، للجيل الحاضر والأجيال القادمة .

(1) الأعلام للزركلي، ص: 17-18، ج 4 ، ط: 8 (1989م)Ñ دارالعلم للملايين ، بيروت .

(2) انظر مقدمة كتاب Mالقاموس الوحيدL للعالم الهندي، ومعلم اللغة العربية العبقري، اللغوي المتقن الشيخ وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي رحمه الله المتوفى 1415هـ / 1995م. والمقدمةُ بقلم : شقيقه الشيخ عميد الزمان القاسمي الكيرانوي ، ص 11، ج1، ط:1 (مارس 2001م) ديوبند ، الهند . نقلاً عن كتاب Mمحاضرات في اللهجات العربيةL لمؤلفه : الدكتور عبد الحميد محمد أبو سكين، ص:11 .

(3) اللسان العربي والإسلام معًا في معركة المواجهة، ص:12، ط:1 (ربيع الأول 1407هـ = نوفمبر 1986م ، رابطة العالم الإسلامي – مكة المكرمة) .

(4) سورة الشعراء ، الآيات : 193-195 .

(5) سورة آل عمران ، الآية 85.

(6) الفصحى لغة القرآن لمؤلفه الأستاذ أنور الجندي رحمه الله ، ص:308 ، دارالكتاب اللبناني ، بيروت . ط: 1402هـ/1982م.

(7) المصدر نفسه ، ص : 305 .

(8) المصدر نفسه ، ص : 304 .